نور الهدى مراقبين
عدد الرسائل : 285 تاريخ التسجيل : 12/10/2008
| موضوع: هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تغذية المريض السبت 18 أكتوبر 2008, 7:58 pm | |
| فصل: في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تغذية المريض
بألطف ما اعتاده من الأغذية في الصحيحين من حديث عروة عن عائشة، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، واجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلى أهلهن، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، وصنعت ثريدًا ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها، فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: (التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن).
وفي السنن من حديث عائشة أيضًا قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (عليكم بالبغيض النافع التلبين)، قالت: وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا اشتكى أحد من أهله لم تزل البرمة على النار حتى ينتهي أحد طرفيه. يعني يبرأ أو يموت.
وعنها: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا قيل له: إن فلانًا وجع لا يطعم الطعام، قال: (عليكم بالتلبينة فحسوه إياها)، ويقول: (والذي نفسي بيده إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ).
التلبين: هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق إسمه، قال الهروي: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها، وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء، وإذا شيءت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا، والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيرًا في الإنتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونًا لا صحاحًا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلًا، وأعظم جلاء، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحًا ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها. والمقصود : أن ماء الشعير مطبوخًا صحاحًا ينفذ سريعًا، ويجلو جلاء ظاهرًا، ويغذي غذاء لطيفًا. وإذا شرب حارًا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق. وقوله صلى الله عليه وسلم فيها : (مجمة لفؤاد المريض) يروى بوجهين. بفتح الميم والجيم، وبضم الميم، وكسر الجيم، والأول: أشهر، ومعناه : أنها مريحة له، أي : تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة. وقوله : (تذهب ببعض الحزن) هذا - والله أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في مادتها، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.
وقد يقال ـ وهو أقرب ـ : إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية، والله أعلم. وقد يقال: إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، وهذا الحساء يرطبها، ويقويها، ويغذيها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري، أو بلغمي، أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه، ويحدره، ويميعه، ويعدل كيفيته، ويكسر سورته، فيريحها ولا سيما لمن عادته الإغتذاء بخبز الشعير، وهي عادة أهل المدينة إذ ذاك، وكان هو غالب قوتهم، وكانت الحنطة عزيزة عندهم. والله أعلم. | |
|